بحـث
دخول
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 33 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 33 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 385 بتاريخ الخميس أكتوبر 24, 2024 10:06 am
الوطنية والقومية ... عصبية جاهلية وراءها الغرب
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الوطنية والقومية ... عصبية جاهلية وراءها الغرب
بقيت الأمّةُ الإسلاميةُ ما يقاربُ من ألفٍ وثلاثمئةِ عامٍ أمةً واحدةً، كانت فيهِ الدولةُ الإسلاميةُ غُرَّةً على جبينِ الزّمانِ، ونوراً أضاءَ سطورَ التاريخِ، وبرَغمِ بعضِ العثراتِ هُنا أو هُناك، والتي لم تسلمْ مِنها أمَّةٌ من الأُمم، إلا أنَّ رابطةَ الأخوةِ الإسلاميةِ بقيتْ طِوالَ هذه المدّةِ هي الرابطُ الوحيدُ بينَ المسلمينَ، فكُلُ فخارٍ أكسبتهُ الأنسابُ وكلُّ امتيازٍ أفادتْهُ الأحسابُ، لم يجعلِ الشارعُ لهُ أثراً في وِقايةِ الحقوقِ وحمايةِ الأرواحِ والأموالِ والأعراضِ، وكلُّ رابطةٍ سِوى رابطةُ الشريعةُ، كانت ممقوتتةً مردودةً، والمُعتمِدُ عليها مذمومٌ، والمتعَصِّبُ لها مَلومٌ، قال صلى الله عليه وسلم :" ليسَ منّا مَن دَعا الى عصبيَّةٍ، وليس منّا مَن قاتَلَ على عصبيَّةٍ، وليس منَّا مَن مَاتَ على عَصبيَّةٍ "، ومِن ثَمَّ فقد قامَ بأمورِ المسلمينَ في كثيرٍ من الأزمانِ على اختلافِ الأجيالِ من لا امتيازَ لَهُ في قبيلتهِ، ولا وَرِثَ المُلْكَ عن آبائهِ، وما رفعهُ على منصَّةِ الحُكمِ إلا امتثالُهُ وخُضُوعُهُ للشَّرعِ وعنايتُهُ بالمحافظةِ عليه.
وعلى هذا، إنطلقَ المسلمونَ بعدَ رسولِ الله صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، بقيادةِ خُلفائهِم بالفتوحاتِ خارجَ الجزيرةِ العربيَّةِ، يحملونَ الإسلامَ رسالةً الى العالمِ، لإخراج الشُّعوبِ والأمَمِ من ظلماتِ الممَالكِ والشرائعِ الوضعيَّةِ وظُلْمِهَا، الى نورِ الإسلامِ وعدالةِ شريعَتِهِ، فتوسعتْ دولةُ الإسلامِ لتشمَلَ في رِحَابِها العديدَ مِنَ الشُّعوبِ، التي تتباينُ في الأعرافِ والأديانِ والقوميَّاتِ والحضَاراتِ والثقافاتِ. ففُتِحَ العراقُ، وكان يسكنُهُ خليطٌ من النَّصارى والمزدَكيَّةِ والزَّردشتيَّةِ من العربِ والفرسِ. وفتحتِ الشامُ، وكانت إقليماً بيزنطيّاً يحملُ ثقافةَ الرُّومان. وفُتِحَتْ شِمَالُ إفريقيا، وكان يسكُنُها البَرْبَر. وفُتِحَت بلادُ السِّندِ وخوارزمَ وسَمرقنْد، ثُمَّ فتحتِ الأندلُسَ، وكانَت هذهِ الأقطارُ المتعددةُ مُتباينةَ القومياتِ واللُّغاتِ والأديانِ والعاداتِ والتَّقاليدِ والقوانينَ والثقافاتِ، لذلكَ كانت عمليةُ صهرِها ببعضِها أمراً شاقّاً عسيراً، لم يحقّقهُ في التاريخِ إلا الإسلام، فإنَّ هذه الشعوبَ جميعَها بعدَ أن ظَلَّلَتها الرايةُ الإسلامية، ودخلتْ في الإسلام، صارت أمَّةً واحدةً ومجتمعاً واحداً يقومُ على أساسِ حضارةٍ واحدةٍ هي الحضارةُ الإسلامية.
قال تعالى (IMG:style_emoticons/default/sad.gif) وألف بين قلوبهم، لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم،ولكن الله ألف بينهم، إنه عزيز حكيم )، ولقد أدركَ الغربُ الذي استَعَرَ العَداءُ بينهُ وبين الأمَّةِ الإسلامية منذُ صدرِ التاريخِ الإسلاميّ والى اليومِ، أدركَ أنَّهُ لا سبيلَ الى التَّغلُّبِ على المسلمينَ إلا بالقضاءِ على شَخصيَّتِهِم، أي على الإسلامِ بوَصفهِ عَقيدةً ونظاماً للحياةِ، ورابطةً تجمعُ الشُّعوبَ الإسلاميةَ وتجعلُ منهُم أمَّةً واحدةً، فكانَ مِنْ أخطَرِ تلكَ الأفكارِ وأشَدِّها فَتكاً بكَيانِ الأمَّةِ الإسلاميةِ القوميةُ والوطنيةُ.
يقولُ أحدُ المستشرقينَ ويُدْعَى " آرثر جِبْ " في كتابٍ بعِنوان " الى أين يتجه الاسلام " نُشِرَ سنةَ 1932م، واشتَرَكَ في تحريرهِ أساتذةٌ مُتخَصِّصُونَ في الدِّراساتِ الإسلاميَّةِ والشَّرقيَّةِ من جامعاتِ فرنسا وألمانيا وهولندا وإنجلترا، يقولُ في كتابهِ محذراً : " إنَّ وحدةَ الحضارةِ الإسلاميةِ تمحُو مِنَ الأذهانِ حيثُما حَلّتْ كُلَّ مَا يتَّصِلُ بالتاريخِ القوميِّ لتُحِلَّ مَحَلَّهُ الاعتزازَ بالتاريخِ الإسلاميِّ "، ومن ثَمَّ يُنبِّهُ الى أنَّ النَّصرَ الذي حقَّقَتْهُ الاتجاهاتُ القوميَّةُ يجبُ أنْ لا يَصرفَ الغربَ عن الإنتباهِ الى تيارِ المعارضةِ الإسلاميةِ الخفي، الذي يعارضُ تفتيتَ الوَحْدَةِ الإسلاميَّةِ الى قوميَّاتٍ لا دينيةٍ. ويتساءلُ في موضعٍ آخرٍ مِنَ الكتاب : " الى أيِّ مدى أصبحَ العالمُ الإسلاميُّ غربيّاً "، فيخلُصُ الى القولِ :" إنَّ نجاحَ التَّطَوُّرِ ( أي جعلُ العالمِ الإسلاميِّ غربيّاً ) يَتوقَّفُ الى حدِّ بعيدٍ على القادةِ والزُّعماءِ في العالمِ الإسلاميِّ، وعلى الشَّبابِ منهُم خَاصَّةً "، ثم يتابعُ : " نستطيعُ أنْ نَقولَ حَسَبَ سيرِ الأمُورِ الآن، إنَّ العالمَ الإسلاميَّ سيصبحُ خلالَ فترةٍ قَصيرةٍ لا دينيّاً في كلِّ مظاهرِ حياتِهِ، ما لم يَطرأ على الأمورِ عواملُ ليستْ في الحُسبانِ، فتُغَيِّرُ اتِّجَاهَ السَّيرِ".
وهَكذا عَمِلَ الغربُ على إخمادِ جَذوَةِ الرَّابطةِ الإسلاميَّةِ بين المسلمينَ، فعَمِلَ على تقطيعِ أوصالِهِم حتى يُواجِهَهُم مُتفرِّقينَ مُنفصِلينَ، واسمعُوا معيْ لقولِ " لورنسْ " العميلُ الإنكليزي في كتابهِ الثورةُ العربيةُ : " وأخَذْتُ طولَ الطَّريقِ أُفَكِّرُ في سُوريا وفي الحجِّ وأتساءلُ : هل تتغلَّبُ القَوميَّةُ ذاتَ يومٍ على النَّزعةِ الدينيَّة ؟، وهل يغلبُ الإعتقادُ الوطنيُّ الإعتقادَ الدينيَّ ؟، وبمعنى أوضَح، هَل تَحُلُّ المثُلُ العُليا السِّياسيَّةُ مَحَلَّ الوحي والإلهامِ ؟، وتَستَبْدِلُ سوريا مَثَلَها الأعلى الديني بِمَثَلِها الأعلى الوطني ؟ "، يقولُ: " هذا ماكانَ يجولُ بخاطرِي طولَ الطّريقِ ".
هكَذا بذلَ الغَربُ قُصارَى جُهدِهِ لِنشْرِ فكرةِ القوميةِ والوطنيةِ بين المسلمينَ، مستعيناً بجيشٍ مِنَ المثقَّفينَ المضبوعينَ بثقافتِهِ من أبناءِ المسلمينَ، فَوَفَّرَ لهم غِطاءاً إعلامياً عبرَ عددٍ مِنَ الصُّحُفِ كالمُقَطَّمِ والمُقْتَطَفِ واللِّواءِ والجريدةِ في مِصر، يشتركونَ جميعاً في مبدأينِ أساسَيْنِ أوَّلُهُما مهادنةُ الإستعمارِ والإقتصَارِ على المطالبةِ بالتَّدَرُّجِ في الإصلاحِ، والثاني محاربةُ فكرةَ الجامعةِ الإسلاميةِ والدعوةُ الى الإنفصالِ التَّامِّ عن تُركيَّا، وإنشاءُ دويلاتٍ وطنيَّةٍ مُواليةٍ للإنكليز.
ولم يقفْ الغربُ عندَ هذا الحدِّ، بل أخذَ يعملُ بكلِّ قوّةٍ لحثِّ النَّاسِ على الإستقلالِ، وتَقَبُّلِ الظروفِ السياسيةِ الجديدةِ التي جزّأتِ العالمَ الإسلاميِّ حتى جُعلَتْ الشَّامَ أربعَ دولٍ، وأخذت تُمهِّدُ لإنشاءِ كيانٍ خَامسٍ من يهود، بل حتى أنَّهُ جزَّأ سوريا وحدَها وهي جُزءٌ من الشّامِ في بِدْء الإحتلالِ الفرنسيّ الى خمسِ دويلاتٍ تديرُ كُلَّ واحدةٍ منها وزارةٌ مستقلةٌ، وأصبحَ مطلوباً من كلِّ مواطنٍ أن يمنحَ إخلاصَهُ وجُهدهُ للقطعةِ الصّغيرةِ التي حدّدها لهُ الإستعمارُ وسماها دولة. يقولُ الدكتور محمد حسين :" لم يكنِ الخطرُ الحقيقيُّ هو الإحتلالُ وما أقامهُ من خطوطٍ وهميَّةٍ اختلقَها سايكس الإنكليزي وبيكو الفرنسي في المعاهدةِ السريّةِ التي اتَّفقا فيها على اقتسامِ الغنائم. لم تكن هذهِ الخطوطُ الوهميَّةُ هي مصدرُ الخطرِ الحقيقيِّ فالشُّعوبُ تُهزمُ وتنتصرُ والله سبحانهُ وتعالى يداولُ الأيامَ بين الناسِ، والمحتلَّ يعيشُ على أملِ الحريَّةِ ثم لا يلبثُ المهزومُ أن ينتصر، ولا يلبثُ المحزون أنْ يبتسم، ولكن مصدرُ الخطرِ الحقيقي هو إيمانُ العربِ أنفسهِم بهذه الخطوطِ الوهميّةِ وتقديسهم لها، فلَقد نشأ جيلٌ جديدٌ لا يعرفونَ حقيقةَ القداسةِ المزعومةِ لهذهِ الأوطانِ الجديدة، ولم تبقى إلا قلَّةٌ قليلةٌ من المؤمنينَ تُجاهدُ ولا تَمَلُّ الجهادَ، تُنبّهُ الغافلينَ وتعرِّفُ الذين لا يعرفون".
وهكذا أعانت دولُ الغربِ كلٌّ في مَنطقةِ نفوذهِ على تدعيمِ قداسةِ هذهِ الأوطانِ الجديدةِ في نفوسِ الناس، بأسلوبٍ علميٍّ منظَّم، وذلك بمساعدتها على إحياءِ التّاريخِ القديمِ لكلِّ قطرٍ من هذهِ الأقطار، فنشطَتِ الحفرياتُ للبحثِ عن آثارِ الحضاراتِ القديمةِ السابقةِ على الإسلام في كلٍّ من العراقِ وسوريا ولبنانَ وفلسطينَ وشرقِ الأردنِ ومصرَ، وشُغِلت الصُّحُف بالكلامِ عن الكشوفِ الأثريّةِ الجديدةِ وما تدلُّ عليهِ من حضاراتِ البابليينَ والأشوريينَ والفنيقيينَ والفراعنةِ، فقد بلغَ من اهتمامِ الأوروبيينَ بنبشِ هذا التاريخِ القديمِ، واتخاذهِ أساساً لتدعيمِ التَّجزأةَ الجديدةَ في العالمِ الإسلاميِّ أنَّ جمعيةَ الأممِ المتحدةِ قد نصَّت في صكِّ الإنتدابِ البريطانيِّ على فلسطينَ على الإهتمامِ بالحفرياتِ، وكذلك كان شأنُ الفرنسيينَ في سوريا وفي لبنانَ، فقدْ كان أولُ ما اهتمَّ به الفرنسيونَ أنْ ألَّفوا بعد الحرب ِالعالميةِ الأولى لجاناً في دمشقَ وبيروتَ لكتابةِ تاريخ الشامِ، وكذلك قام الأمريكي اليهودي الأصلِ "واركفلر" سنة 1926م، بإعلانهِ عن تبرُّعهِ بعشرةِ ملايينَ ريالٍ أمريكيٍّ لإنشاءِ متحفٍ للآثارِ الفرعَونيةِ في مِصر، وكذا الإهتمام بتدريسِ التاريخِ القديمِ على الإسلامِ لتلاميذِ المدارسِ، وأخذهِم بتقديسهِ والإستعانةُ على ذلك بالأناشيدِ الوطنيةِ، وبمثلِ خلْقِ أعيادٍ وطنيةٍ غيرِ الأعيادِ الدينيةِ التي تلتقي قلوب المسلمين ومشاعرُهُم على الاحتفالِ بها. وهكذا رسموا هياكلَ بعلبك على طوابعِ البريدِ، ورأسَ أبي الهول على أوراقِ النقدِ، واتخذت كلُّ كلّيةٍ من كلّياتِ الجامعاتِ المصريةِ شعاراً لها يُمثِّلُ وثناً من معبوداتِ الفراعنةِ وكذلك في معظمِ البلادِ الخاضعةِ لسُلطة الإحتلالِ، حتى وصلَ الأمرُ بأحدهِم أن يدعوا الى أنْ تقومَ النهضةُ الحديثةُ على بعثِ المجدِ الفِرعوني القديمِ مثلما قامتِ النضةُ الأوروبيةُ الحديثةُ على بعثِ المجدِ اليوناني واللاتيني القديمِ، وكان فيصلُ ابن المدعوِّ الشريف حسين ينشرُ الوطنيةَ في كلِّ مكانٍ ويملأُ أرجاءَ الصَّحراءَ بصوتهِ مذكِّراً البَدْوَ بأمجادِ أجدادهِم الذين فتحوا الدُنيا، ودانت لهم الممالكُ، ويأخذُ العهودَ من شيوخِ القبائلِ على الإخلاصِ للقضيَّةِ العربيةِ حتى سمّاهُ "لورانس" نبيُّ الوطنيةِ .
وعلى هذا، إنطلقَ المسلمونَ بعدَ رسولِ الله صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، بقيادةِ خُلفائهِم بالفتوحاتِ خارجَ الجزيرةِ العربيَّةِ، يحملونَ الإسلامَ رسالةً الى العالمِ، لإخراج الشُّعوبِ والأمَمِ من ظلماتِ الممَالكِ والشرائعِ الوضعيَّةِ وظُلْمِهَا، الى نورِ الإسلامِ وعدالةِ شريعَتِهِ، فتوسعتْ دولةُ الإسلامِ لتشمَلَ في رِحَابِها العديدَ مِنَ الشُّعوبِ، التي تتباينُ في الأعرافِ والأديانِ والقوميَّاتِ والحضَاراتِ والثقافاتِ. ففُتِحَ العراقُ، وكان يسكنُهُ خليطٌ من النَّصارى والمزدَكيَّةِ والزَّردشتيَّةِ من العربِ والفرسِ. وفتحتِ الشامُ، وكانت إقليماً بيزنطيّاً يحملُ ثقافةَ الرُّومان. وفُتِحَتْ شِمَالُ إفريقيا، وكان يسكُنُها البَرْبَر. وفُتِحَت بلادُ السِّندِ وخوارزمَ وسَمرقنْد، ثُمَّ فتحتِ الأندلُسَ، وكانَت هذهِ الأقطارُ المتعددةُ مُتباينةَ القومياتِ واللُّغاتِ والأديانِ والعاداتِ والتَّقاليدِ والقوانينَ والثقافاتِ، لذلكَ كانت عمليةُ صهرِها ببعضِها أمراً شاقّاً عسيراً، لم يحقّقهُ في التاريخِ إلا الإسلام، فإنَّ هذه الشعوبَ جميعَها بعدَ أن ظَلَّلَتها الرايةُ الإسلامية، ودخلتْ في الإسلام، صارت أمَّةً واحدةً ومجتمعاً واحداً يقومُ على أساسِ حضارةٍ واحدةٍ هي الحضارةُ الإسلامية.
قال تعالى (IMG:style_emoticons/default/sad.gif) وألف بين قلوبهم، لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم،ولكن الله ألف بينهم، إنه عزيز حكيم )، ولقد أدركَ الغربُ الذي استَعَرَ العَداءُ بينهُ وبين الأمَّةِ الإسلامية منذُ صدرِ التاريخِ الإسلاميّ والى اليومِ، أدركَ أنَّهُ لا سبيلَ الى التَّغلُّبِ على المسلمينَ إلا بالقضاءِ على شَخصيَّتِهِم، أي على الإسلامِ بوَصفهِ عَقيدةً ونظاماً للحياةِ، ورابطةً تجمعُ الشُّعوبَ الإسلاميةَ وتجعلُ منهُم أمَّةً واحدةً، فكانَ مِنْ أخطَرِ تلكَ الأفكارِ وأشَدِّها فَتكاً بكَيانِ الأمَّةِ الإسلاميةِ القوميةُ والوطنيةُ.
يقولُ أحدُ المستشرقينَ ويُدْعَى " آرثر جِبْ " في كتابٍ بعِنوان " الى أين يتجه الاسلام " نُشِرَ سنةَ 1932م، واشتَرَكَ في تحريرهِ أساتذةٌ مُتخَصِّصُونَ في الدِّراساتِ الإسلاميَّةِ والشَّرقيَّةِ من جامعاتِ فرنسا وألمانيا وهولندا وإنجلترا، يقولُ في كتابهِ محذراً : " إنَّ وحدةَ الحضارةِ الإسلاميةِ تمحُو مِنَ الأذهانِ حيثُما حَلّتْ كُلَّ مَا يتَّصِلُ بالتاريخِ القوميِّ لتُحِلَّ مَحَلَّهُ الاعتزازَ بالتاريخِ الإسلاميِّ "، ومن ثَمَّ يُنبِّهُ الى أنَّ النَّصرَ الذي حقَّقَتْهُ الاتجاهاتُ القوميَّةُ يجبُ أنْ لا يَصرفَ الغربَ عن الإنتباهِ الى تيارِ المعارضةِ الإسلاميةِ الخفي، الذي يعارضُ تفتيتَ الوَحْدَةِ الإسلاميَّةِ الى قوميَّاتٍ لا دينيةٍ. ويتساءلُ في موضعٍ آخرٍ مِنَ الكتاب : " الى أيِّ مدى أصبحَ العالمُ الإسلاميُّ غربيّاً "، فيخلُصُ الى القولِ :" إنَّ نجاحَ التَّطَوُّرِ ( أي جعلُ العالمِ الإسلاميِّ غربيّاً ) يَتوقَّفُ الى حدِّ بعيدٍ على القادةِ والزُّعماءِ في العالمِ الإسلاميِّ، وعلى الشَّبابِ منهُم خَاصَّةً "، ثم يتابعُ : " نستطيعُ أنْ نَقولَ حَسَبَ سيرِ الأمُورِ الآن، إنَّ العالمَ الإسلاميَّ سيصبحُ خلالَ فترةٍ قَصيرةٍ لا دينيّاً في كلِّ مظاهرِ حياتِهِ، ما لم يَطرأ على الأمورِ عواملُ ليستْ في الحُسبانِ، فتُغَيِّرُ اتِّجَاهَ السَّيرِ".
وهَكذا عَمِلَ الغربُ على إخمادِ جَذوَةِ الرَّابطةِ الإسلاميَّةِ بين المسلمينَ، فعَمِلَ على تقطيعِ أوصالِهِم حتى يُواجِهَهُم مُتفرِّقينَ مُنفصِلينَ، واسمعُوا معيْ لقولِ " لورنسْ " العميلُ الإنكليزي في كتابهِ الثورةُ العربيةُ : " وأخَذْتُ طولَ الطَّريقِ أُفَكِّرُ في سُوريا وفي الحجِّ وأتساءلُ : هل تتغلَّبُ القَوميَّةُ ذاتَ يومٍ على النَّزعةِ الدينيَّة ؟، وهل يغلبُ الإعتقادُ الوطنيُّ الإعتقادَ الدينيَّ ؟، وبمعنى أوضَح، هَل تَحُلُّ المثُلُ العُليا السِّياسيَّةُ مَحَلَّ الوحي والإلهامِ ؟، وتَستَبْدِلُ سوريا مَثَلَها الأعلى الديني بِمَثَلِها الأعلى الوطني ؟ "، يقولُ: " هذا ماكانَ يجولُ بخاطرِي طولَ الطّريقِ ".
هكَذا بذلَ الغَربُ قُصارَى جُهدِهِ لِنشْرِ فكرةِ القوميةِ والوطنيةِ بين المسلمينَ، مستعيناً بجيشٍ مِنَ المثقَّفينَ المضبوعينَ بثقافتِهِ من أبناءِ المسلمينَ، فَوَفَّرَ لهم غِطاءاً إعلامياً عبرَ عددٍ مِنَ الصُّحُفِ كالمُقَطَّمِ والمُقْتَطَفِ واللِّواءِ والجريدةِ في مِصر، يشتركونَ جميعاً في مبدأينِ أساسَيْنِ أوَّلُهُما مهادنةُ الإستعمارِ والإقتصَارِ على المطالبةِ بالتَّدَرُّجِ في الإصلاحِ، والثاني محاربةُ فكرةَ الجامعةِ الإسلاميةِ والدعوةُ الى الإنفصالِ التَّامِّ عن تُركيَّا، وإنشاءُ دويلاتٍ وطنيَّةٍ مُواليةٍ للإنكليز.
ولم يقفْ الغربُ عندَ هذا الحدِّ، بل أخذَ يعملُ بكلِّ قوّةٍ لحثِّ النَّاسِ على الإستقلالِ، وتَقَبُّلِ الظروفِ السياسيةِ الجديدةِ التي جزّأتِ العالمَ الإسلاميِّ حتى جُعلَتْ الشَّامَ أربعَ دولٍ، وأخذت تُمهِّدُ لإنشاءِ كيانٍ خَامسٍ من يهود، بل حتى أنَّهُ جزَّأ سوريا وحدَها وهي جُزءٌ من الشّامِ في بِدْء الإحتلالِ الفرنسيّ الى خمسِ دويلاتٍ تديرُ كُلَّ واحدةٍ منها وزارةٌ مستقلةٌ، وأصبحَ مطلوباً من كلِّ مواطنٍ أن يمنحَ إخلاصَهُ وجُهدهُ للقطعةِ الصّغيرةِ التي حدّدها لهُ الإستعمارُ وسماها دولة. يقولُ الدكتور محمد حسين :" لم يكنِ الخطرُ الحقيقيُّ هو الإحتلالُ وما أقامهُ من خطوطٍ وهميَّةٍ اختلقَها سايكس الإنكليزي وبيكو الفرنسي في المعاهدةِ السريّةِ التي اتَّفقا فيها على اقتسامِ الغنائم. لم تكن هذهِ الخطوطُ الوهميَّةُ هي مصدرُ الخطرِ الحقيقيِّ فالشُّعوبُ تُهزمُ وتنتصرُ والله سبحانهُ وتعالى يداولُ الأيامَ بين الناسِ، والمحتلَّ يعيشُ على أملِ الحريَّةِ ثم لا يلبثُ المهزومُ أن ينتصر، ولا يلبثُ المحزون أنْ يبتسم، ولكن مصدرُ الخطرِ الحقيقي هو إيمانُ العربِ أنفسهِم بهذه الخطوطِ الوهميّةِ وتقديسهم لها، فلَقد نشأ جيلٌ جديدٌ لا يعرفونَ حقيقةَ القداسةِ المزعومةِ لهذهِ الأوطانِ الجديدة، ولم تبقى إلا قلَّةٌ قليلةٌ من المؤمنينَ تُجاهدُ ولا تَمَلُّ الجهادَ، تُنبّهُ الغافلينَ وتعرِّفُ الذين لا يعرفون".
وهكذا أعانت دولُ الغربِ كلٌّ في مَنطقةِ نفوذهِ على تدعيمِ قداسةِ هذهِ الأوطانِ الجديدةِ في نفوسِ الناس، بأسلوبٍ علميٍّ منظَّم، وذلك بمساعدتها على إحياءِ التّاريخِ القديمِ لكلِّ قطرٍ من هذهِ الأقطار، فنشطَتِ الحفرياتُ للبحثِ عن آثارِ الحضاراتِ القديمةِ السابقةِ على الإسلام في كلٍّ من العراقِ وسوريا ولبنانَ وفلسطينَ وشرقِ الأردنِ ومصرَ، وشُغِلت الصُّحُف بالكلامِ عن الكشوفِ الأثريّةِ الجديدةِ وما تدلُّ عليهِ من حضاراتِ البابليينَ والأشوريينَ والفنيقيينَ والفراعنةِ، فقد بلغَ من اهتمامِ الأوروبيينَ بنبشِ هذا التاريخِ القديمِ، واتخاذهِ أساساً لتدعيمِ التَّجزأةَ الجديدةَ في العالمِ الإسلاميِّ أنَّ جمعيةَ الأممِ المتحدةِ قد نصَّت في صكِّ الإنتدابِ البريطانيِّ على فلسطينَ على الإهتمامِ بالحفرياتِ، وكذلك كان شأنُ الفرنسيينَ في سوريا وفي لبنانَ، فقدْ كان أولُ ما اهتمَّ به الفرنسيونَ أنْ ألَّفوا بعد الحرب ِالعالميةِ الأولى لجاناً في دمشقَ وبيروتَ لكتابةِ تاريخ الشامِ، وكذلك قام الأمريكي اليهودي الأصلِ "واركفلر" سنة 1926م، بإعلانهِ عن تبرُّعهِ بعشرةِ ملايينَ ريالٍ أمريكيٍّ لإنشاءِ متحفٍ للآثارِ الفرعَونيةِ في مِصر، وكذا الإهتمام بتدريسِ التاريخِ القديمِ على الإسلامِ لتلاميذِ المدارسِ، وأخذهِم بتقديسهِ والإستعانةُ على ذلك بالأناشيدِ الوطنيةِ، وبمثلِ خلْقِ أعيادٍ وطنيةٍ غيرِ الأعيادِ الدينيةِ التي تلتقي قلوب المسلمين ومشاعرُهُم على الاحتفالِ بها. وهكذا رسموا هياكلَ بعلبك على طوابعِ البريدِ، ورأسَ أبي الهول على أوراقِ النقدِ، واتخذت كلُّ كلّيةٍ من كلّياتِ الجامعاتِ المصريةِ شعاراً لها يُمثِّلُ وثناً من معبوداتِ الفراعنةِ وكذلك في معظمِ البلادِ الخاضعةِ لسُلطة الإحتلالِ، حتى وصلَ الأمرُ بأحدهِم أن يدعوا الى أنْ تقومَ النهضةُ الحديثةُ على بعثِ المجدِ الفِرعوني القديمِ مثلما قامتِ النضةُ الأوروبيةُ الحديثةُ على بعثِ المجدِ اليوناني واللاتيني القديمِ، وكان فيصلُ ابن المدعوِّ الشريف حسين ينشرُ الوطنيةَ في كلِّ مكانٍ ويملأُ أرجاءَ الصَّحراءَ بصوتهِ مذكِّراً البَدْوَ بأمجادِ أجدادهِم الذين فتحوا الدُنيا، ودانت لهم الممالكُ، ويأخذُ العهودَ من شيوخِ القبائلِ على الإخلاصِ للقضيَّةِ العربيةِ حتى سمّاهُ "لورانس" نبيُّ الوطنيةِ .
عاشق الورد- ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-
عدد المساهمات : 1189
تاريخ التسجيل : 28/05/2009
العمر : 39
رد: الوطنية والقومية ... عصبية جاهلية وراءها الغرب
مشكور عاشق الورد على الاضافة واشكرك على مجهودك المميز تقبل مروري
رد: الوطنية والقومية ... عصبية جاهلية وراءها الغرب
مشكووووووووووووور يعطيك الف عافية تقبل مروري
good day to die- ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-
عدد المساهمات : 300
تاريخ التسجيل : 31/05/2009
العمر : 33
مواضيع مماثلة
» اجتماع اللجنة الوطنية للمخيمات الصيفية غدا في مديرية الخليل
» بزاز يقدم خطة لـمدة ثلاثة اشهر لاعداد الـمنتخبات الوطنية
» شركة الموارد الوطنية ترعى نادي شباب الخليل الرياضي
» طلبة جامعة النجاح الوطنية يشاركون في معسكر القدس في عيون الشباب
» اللجنة الوطنية واليونسيف يسلمون اجهزة كمبيوتر لأندية الطلائع في رامين وبلعا وبيت ليد
» بزاز يقدم خطة لـمدة ثلاثة اشهر لاعداد الـمنتخبات الوطنية
» شركة الموارد الوطنية ترعى نادي شباب الخليل الرياضي
» طلبة جامعة النجاح الوطنية يشاركون في معسكر القدس في عيون الشباب
» اللجنة الوطنية واليونسيف يسلمون اجهزة كمبيوتر لأندية الطلائع في رامين وبلعا وبيت ليد
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى